ما هو الهدف القادم لزوج الاسترليني دولار؟
لا يزال زوج الاسترليني هو أحد أكبر الأزواج المتضررة من التطورات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية، فمع استمرار قوة الدولار الأمريكي في الوقت الذي تعصف فيه العديد من الأزمات بالجنيه الاسترليني، لم يجد زوج الاسترليني دولار أمامه سوى أن يسلم بالأمر الواقع ويستسلم للسقوط الحر.
وتأتي تلك الظروف القاسية في ظل ضبابية المستقبل الاقتصادي البريطاني عقب تخارج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق واضح يضمن سير العمليات التجارية بين بريطانيا والكتلة الأوروبية بشكل سلس وهو الذي يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية البريطانية الراهنة.
نظرة على الاقتصاد البريطاني من الداخل
لم يكن الاقتصاد البريطاني بمعزل عن توابع الحرب الروسية الأوكرانية، بل كانت بريطانيا من أولى الدول التي اتجهت لتبني موقف شديد الحدة تجاه روسيا سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي، فقد سارعت بريطانيا باستبعاد بنوك روسية كبيرة من نظام سويفت المالي وقامت بخفض صادرتها من روسيا لأدنى مستوى له منذ عام 1997، وبحسب الإحصاءات الرسمية؛ فقد هبطت فاتورة الواردات البريطانية من روسيا إلى 33 مليون استرليني بما يوازي تراجع في الواردات البريطانية من روسيا بنسبة 97%.
ولكن كمثل باقي الدول الأوروبية، فقد كان لذلك الموقف فاتورة كبيرة بدأت تدفعها بريطانيا، فبعد أن أعلنت بريطانيا في يونيو أنها أوقفت وارداتها النفطية والغاز الطبيعي من روسيا بدأ المواطن البريطاني في دفع ثمن هذا القرار. فعلى الرغم من أن بريطانيا تعتبر من أكبر الدول المنتجة للنفط، إلا أنها تعتمد في نحو 8% من احتياجاتها من النفط وخاصةً المكرر على الواردات الروسية.
كذلك، فإنه على الرغم من أن الإنتاج المحلي البريطاني من الغاز الطبيعي قد ارتفع بنسبة 26% خلال الربع الأول من العام الجاري، إلا أن الاقتصاد البريطاني يعاني من أزمة غير مسبوقة بسبب نقص إمدادات الغاز وهي أزمة لم يدفع ثمنها الشركات فقط، بل والمواطن البريطاني أيضًا.
الأزمة الاقتصادية تتفاقم
بحسب ما صرحت به الهيئة البريطانية للطاقة، فإن فاتورة الطاقة سوف ترتفع بنسبة 80% كضريبة ابتداءً من أكتوبر المقبل، وبالطبع فإن المواطن سيكون هو المتحمل الأكبر لهذا الفارق في التكلفة. وبحسب تصريحات بعض مؤسسات المجتمع المدني في بريطانيا فإن ذلك يعني أن فاتورة الطاقة المطلوبة من الأسرة المتوسطة سوف تتجاوز 7000 استرليني سنويا بحلول أبريل المقبل.
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن ذلك يعني أن المواطن البريطاني متوسط الدخل سينعكس عليه ذلك بزيادة فاتورة الطاقة بنحو 4 أمثال القيمة الحالية في العام 2023/2024 وذلك مقارنةً بالعام الماضي بحيث ستكون فاتورة الطاقة للأسرة متوسطة الدخل نحو 2/3 من إجمالي دخلها فيم ستصل نسبة فاتورة الطاقة إلى 120% من مستويات الدخل الحالية لبعض الأسر.
في ذات السياق، فإنه بحسب البيانات المعلنة من جانب بنك إنجلترا BOE فإن حجم قروض كروت الائتمان قد سجلت ارتفاعًا خلال الإثني عشر شهرًا الماضية بأعلى وتيرة منذ عام 2005. فقد سجلت القروض الائتمانية من جانب الأسر نموًا بنسبة 13% مقارنةً بالنسبة الماضية وهو ما يعكس بشكل واضح أثر ارتفاع تكاليف المعيشة. ومما يزيد الأمر سوءًا أن متوسط معدل فائدة قروض كروت الائتمان قد بلغت 31.7% وهو أعلى مستوى لها منذ 1998 بما يعكس تخوفات البنوك من تعثر السداد.
الشركات البريطانية تعاني من الأزمة
على الرغم من أن القاعدة الاقتصادية التقليدية تقول أن انخفاض سعر الصرف يمنح الصادرات المحلية ميزة نسبية في المنافسة التجارية الدولية، إلا أن الصادرات البريطانية لم تنجح في الاستفادة من هذه القاعدة. فعلى الرغم من انخفاض الجنية الاسترليني لأدنى مستوياته منذ 2020، إلا أن الغرفة التجارية البريطانية قد صرحت بأن التذبذب القوي الحالي في سعر صرف الاسترليني يتسبب في مشاكل كبيرة للمصانع العاملة في بريطانيا.
وقال مسؤولون من الغرفة التجارية أن تلك المصانع تستورد العديد من الخامات الصناعية وذلك بالإضافة إلى الأزمة الأساسية المتعلقة بالبريكسيت وعدم وجود اتفاق تجاري مع بريطانيا. كما أشارت البيانات الصادرة عن غرفة التجارة إلى أن الصادرات البريطانية قد تراجعت بقوة خلال الربع الثاني من العام.
نظرة على أهم المؤشرات الاقتصادية
بالنظر إلى أهم المؤشرات الاقتصادية البريطانية، فإننا نجد أن مؤشر أسعار المستهلك السنوي على سبيل المثال يعكس استمرار ارتفاع معدلات التضخم بقوة، حيث استقر المؤشر في آخر قراءة له عن مستويات 10.1%. أيضًا مؤشر مبيعات التجزئة بعد أن سجل قراءة سلبية لشهرين متتاليين (على أساس شهري) سجل المؤشر نمو بنسبة 0.3% فقط في القراءة الشهري الأخيرة، وهو ما يعكس استمرار ضعف مبيعات التجزئة.
أما بالنسبة إلى مؤشرات الإنتاج، فقد سجل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي قراءة سلبية عن شهر يونيو بحيث حدث انكماش اقتصادي شهري بنسبة 0.6%، وأيضًا القراءة الأولية لمؤشر الناتج المحلي على أساس ربعي، فقد سجلت انكماش عن الربع الثاني بنسبة 0.1%. وبالرغم من أن مؤشر مديري المشتريات الخدمي قد سجل توسع بسيط عند النقطة 52، إلا أن مؤشر مديري الخدمات الصناعي قد سجل انكماش بحيث استقرت قراءة المؤشر عند 46 نقطة.
توقعات حركة الاسترليني دولار
يظهر جليًا من خلال المعلومات التي أوردناها سالفًا أن الجنيه الاسترليني حاليًا يعتبر في فترة من أشهر فترات ضعفه، وعلى الرغم من أن بنك إنجلترا يحاول دعمه من خلال الاستمرار في رفع أسعار الفائدة التي تستقر حاليًا عند مستويات 1.75% إلا أن اتجاه الاقتصاد بخطى متسارعة نحو الركود يجعل الأمر معقد بشكل أكثر.
وبالتالي فإن المتوقع حاليًا أن يستمر زوج الاسترليني دولار في تسجيل مستويات تراجع قياسية جديدة، وفيم يستقر الزوج حاليًا عند مستويات 1.1554، فإن المتوقع أن يواصل الزوج تراجعه بحيث يستهدف 1.141 خلال الأيام القليلة المقبلة وخاصةً مع استمرار قوة الدولار الأمريكي.