هل يستهدف الدولار الأمريكي مستوى قياسي جديد؟
يواصل الدولار الأمريكي التصدر في سوق العملات الأجنبية والصعود أمام كافة العملات مستندًا في ذلك إلى الدعم الغير محدود من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وعلى الرغم من تخوف المستثمرين حول إمكانية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الدولار الأمريكي يواصل صعوده كونه الملاذ الآمن الأعلى عائد حاليًا.
وخلال هذه السطور سنلقي نظرة على أهم تطورات الاقتصاد الأمريكي وتوقعات تحركات الدولار الأمريكي خلال الفترة المقبلة.
نظرة على الاقتصاد الأمريكي
يشهد الاقتصاد الأمريكي حاليًا ارتفاعًا في معدلات التضخم لم يشهدها منذ نحو 40 عامًا، فمع التوسع النقدي الكبير الذي قام به الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وما تلاه من إزالة لقيود كورونا وفتح الباب أمام عودة النشاط الاقتصادي، تسبب ذلك في ارتفاع قوي في معدلات الطلب على السلع والخدمات، مما تسبب في أزمة في سلاسل التوريد أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بقوة.
ولسوء الحظ، فقد ترافق ذلك الوضع الاقتصادي المتأزم مع بداية فصل جديد من التطورات الجيوسياسية بالغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من عقوبات اقتصادية أدت لرفع أسعار الطاقة بشكل لم يشهده العالم منذ عدة سنوات، وبالطبع تسرب الارتفاع في أسعار الطاقة إلى كافة السلع حتى وصلت معدلات التضخم الأمريكية إلى 8.5%.
نظرة على المؤشرات الاقتصادية الأمريكية
المؤشرات الإنتاجية
تمثل المؤشرات الاقتصادية الأمريكية حاليًا أحد عناصر حالة عدم اليقين، والسبب في ذلك هو أن نتائج المؤشرات غير متناسقة، بحيث نرى أن أداء سوق التوظيف يختلف بشكل كبير عن أداء المؤشرات الإنتاجية ويختلف أيضًا عن أداء مؤشرات التضخم، وهو ما يجعل الفيدرالي الأمريكي في حاجة للتركيز على أداء مؤشر معين مهما كان أداء المؤشرات الأخرى.
فبالنسبة إلى مؤشرات الإنتاج، نرى على سبيل المثال مؤشر مديري المشتريات لجامعة شيكاغو يواصل تسجيل قراءات ضعيفة، حيث استقرت آخر قراءة له عند النقطة 52 وهي أدنى قراءة له منذ أغسطس 2020. وأيضًا القراءة الأولية لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بالنسبة للربع الثاني، حيث سجل انكماش للربع الثاني على التوالي بنسبة 0.6% وكانت القراءة السابقة له عند -0.9%.
وقد سجل أيضًا مؤشر ريتشموند الصناعي قراءة انكماشية للشهر الثالث على التوالي، حيث كانت قراءته الأخيرة عند النقطة -8. وأيضًا القراءة الأولية لمؤشر مديري المشتريات الصناعي، حيث سجل المؤشر قراءة عند النقطة 51.3 عن شهر أغسطس، متراجعًا من مستويات 52.2 نقطة بالنسبة لشهر يوليو. وكذلك مديري المشتريات الخدمي سجل خلال أغسطس الحالي انكماش للشهر الثاني على التوالي حيث جاءت قراءته عند 44.1.
مؤشرات التوظيف
تعكس مؤشرات التوظيف على اختلاف أنواعها حركة العمال في السوق، وهو ما يعطي مؤشر عن حالة القوة العاملة وما إذا كان السوق في حالة بطالة مرتفعة أو غير ذلك. وقد سجل مؤشر التغير في توظيف القطاع غير الزراعي ارتفاع التوظيف فيه خلال شهر أغسطس بنحو 132 ألف وظيفة، وهو أقل كثيرًا من التوقعات بأن يسجل المؤشر 300 ألف وظيفة، أي أقل من توقعات الأسواق بأكثر من 50%.
ولكن بخلاف الصورة التي يعكسها المؤشر السابق، فإن مؤشر الوظائف الجديدة سجل ارتفاع في عرض الوظائف الجديدة بحجم 11.24 مليون وظيفة بما يعتبر أعلى من التوقعات. كذلك فإن مؤشر إعانات البطالة سجل قراءة خلال الأسبوع الأسبق بنحو 243 ألف طلب جديد وهو يعتبر أقل من التوقعات بان يسجل 250 ألف طلب. ولكن رغم ذلك، إلا أن الاتجاه العام لقراءات المؤشر المتتالية حاليًا يتجه للزيادة.
مؤشرات التضخم
بعد أن سجلت القراءة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي ارتفاعًا لأعلى مستوياتها منذ 40 عامًا ووصلت إلى 9.1%، بدأ المؤشر يهدئ من وتيرة التحرك وعاد إلى مستويات 8.5 خلال شهر يوليو الماضي. نجد أيضًا أن القراءة الشهرية للمؤشر قد سجلت قراءة صفرية عن شهر يوليو بعد أن سجلت أعلى مستوياتها منذ 2008 عند 1.3% وذلك خلال يونيو الماضي. وكذلك كانت قراءة المؤشر بنسخته الأساسية قد سجلت تراجع من 0.7% إلى 0.5% خلال يوليو.
وأيضًا، فقد سجل مؤشر أسعار المنتجين أول قراءة سلبية منذ مايو 2020، حيث جاءت قراءته الشهرية عند -0.5% وهو ما قد يعكس التراجع الملحوظ الذي حدث في أسعار النفط خلال الشهر.
اتجاه السياسة النقدية الأمريكية
في ظل الصورة الضبابية التي تعكسها المؤشرات الاقتصادية ومع تأكيد مؤشرات الإنتاج على وجود اختلال واضح في السوق، إلا أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يصر على أن معدلات التضخم لاتزال تحتاج إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة وبوتيرة متسارعة.
وقد ظهر ذلك الاتجاه جليًا في حديث جيروم باول خلال مؤتمر جاكسون هول، الذي أكد خلاله على مواصلة طريقه الحالي في رفع أسعار الفائدة الفيدرالية.
وبالنسبة لأعضاء لجنة السياسة النقدية؛ فإنهم يؤيدون هذا الاتجاه، حيث قال عضو الفيدرالي “كاشكاري” إن الفيدرالي عازم إعادة التضخم إلى مستويات 2% وأن الصعود الأخير في سوق الأسهم كان ناتج عن سوء فهم لقرار الفيدرالي خلال الاجتماع الأخير.
وعلق أيضًا عضو الفيدرالي “توماس باركين” على حديث باول بأن توقعات التضخم حاليًا غير واضحة إلا أنه من الواجب إعادة التضخم إلى مساره الصحيح، وفي حديثه عن معدلات النمو؛ قال إن أمريكا اليوم ليس فيها ركود وحتى إن حدث فإنه لن يكون كارثيًا.
إلى أين يتجه الدولار الأمريكي؟
من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في معزل عن الكوارث الطبيعية التي تضرب الأرض شرقًا وغربًا حاليًا، ويتجلى ذلك في درجات الحرارة المرتفعة الغير معتادة التي تشهدها العديد من الولايات حاليًا وعلى رأسها كاليفورنيا، وأيضًا في الفيضانات التي تضرب بعض الولايات مثل ولاية مسيسيبي والتي تشهد حاليًا أزمة في الماء بسبب تعطل محطة معاجلة مياه رئيسية.
في ظل ذلك المشهد، نجد أن الدولار الأمريكي يواصل صعوده بقوة استنادًا إلى الدعم القوي من جانب الفيدرالي الأمريكي، ونرى ذلك بقوة في أداء مؤشر الدولار الأمريكي DXY، حيث يتم تداول المؤشر حاليًا عند مستويات 108.749 وهو أعلى مستوى للمؤشر منذ عام 2002. ويتزامن ذلك مع استعادة أسعار الفائدة لسندات الخزانة لأجل 10 سنوات زخمها بحيث تستقر حاليًا عند 3.12%.
بناءً على تلك المعطيات، فإن الدولار الأمريكي من المنتظر أن يواصل ذلك الأداء القوي والذي ربما يستمر حتى منتصف العام القادم ليستهدف مستوى 115 نقطة.